الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها الإخوة، فإن لقاءنا هذا هذه الليلة هو لقاء شهر صفر عام أربعة عشر وأربع مائة وألف، وكان المقرر أن يكون في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وما زال الأمر كذلك، لكن في الأسبوع الماضي حصل هناك مانع من إقامته في وقته المقرر، والحمد لله القضاء -كما يقولون- يحكي الأداء، قضيناه هذه الليلة؛ والاقتراح الذي تقدم به أخونا الشيخ محمود بن عبد العزيز الصائغ اقتراح مقبول، لأنه في الوقت المناسب، فالناس في أيام الإجازة في هذه المنطقة وفي غيرها من المناطق في المملكة العربية السعودية يكثر منهم الزواج، وكثرة الزواج بين الشباب أمر يسرّ، لأن ذلك امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، واتباعا لآثار المرسلين عليهم الصلاة والسلام لقول الله تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً"، فيسرنا أن نجد من شبابنا ومن شاباتنا تزاوجا كثيرا، لهذا الأمر ولأمر ثالث وهو تحصيل مصالح النكاح، من إعفاف فروج وغض الأبصار وحصول الأولاد، والأمة كلما كثر أفرادها قويت شوكتها، وتعددت أعمالها ما بين مشتغل بمصانع، مشتغل بمزارع، مشتغل بالمواشي، مشتغل بأعمال النجارة، بأعمال الحِدادة، فكلما كثرت أفراد الأمة فإن ذلك لا شك عِزّ لها واستغناء بنفسها عن غيرها، ومهابة لها لأن الأمم الكثيرة تهاب ولو كانت ضعيفة في مسألة الصنائع والتكنولوجيا، ففي كثرة الزواج كثرة النسل وهذا أمر مقصود بالشارع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تزوجوا الودود الولود"، الودود: يعني كثيرة الود، لأنه إذا حصل الود بين الزوجين كثرة الملاقاة بينهما، وإذا كثرت الملاقاة كثر التناسل، ولهذا أعقب قوله: "تزوجوا الولود" بقوله: "الودود، فإني مكاثر بكم الأنبياء".
وإذا كان هذا يسُرّ لهذه الأسباب ولغيرها مما لم نذكره، فإن الواجب على الزوجين جميعا أن يكون لديهما علم بما يترتب على هذا النكاح وما يترتب على المباشرة من أحكام شرعية حتى يكون تعاملهم بهذا النكاح على الوجه الشرعي؛
فمن ذلك:
أنه يجب على كل الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف، لقول الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، ولقوله: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وإذا حصلت المعاشرة بين الزوجين بالمعروف فإن ذلك أبقى للمودة بينهما وأتم للنعمة، وكم من فراق حصل بسبب عدم المعاشرة بالمعروف، فإذا اتقى الله كل واحد منهما وعاشر الآخر بالمعروف وأعطاه حقه الواجب عليه حصل بذلك الخير والبركة، وإذا كثرة النزاعات بين الزوجين فإنك تجد أكثر أسبابها هو عدم المعاشرة بالمعروف، فالزوج يضرب زوجته على أتفه شيء، وهي تعانده وتخاصمه في أدنى شيء، لذلك يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف كما أمر الله تعالى بذلك.
ومما يجب الاهتمام به :
معرفة ما يجب على الزوجين في العبادة، ومن ذلك: الاغتسال مثلا، بعض الأزواج يخفى عليهم أن إتيان المرأة موجب للغسل إلا إذا حصل الإنزال، يعني: أن بعض الناس يظنون أنه لا غسل إلا بإنزال وأن الرجل لو جامع زوجته بدون إنزال فلا غسل عليه، ولهذا يكثر السؤال عن هذه المسألة فتجد الرجل يقول: لي ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر أو سنة أو أكثر أباشر زوجتي بدون إنزال ولا أغتسل لا أنا ولا هي، لماذا؟ لأنهما جاهلان، فالواجب أن يتعلم الإنسان مثل هذه الأحكام ليكون على بصيرة من أمره.
كذلك يجب مما يجب الاهتمام به ومعرفته
أن الحائض لا يجوز أن يجامعها زوجها، لقوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ" يعني: اغتسلن "فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ"، بعض الناس تغلبه الشهوة فيجامع المرأة وهي حائض، وهذا محرم وفيه الكفارة عند كثير من العلماء، وفي ضرر عظيم جدا جدا على المرأة كما أخبرنا بذلك الثقات من الأطباء، لأن الأغشية في هذه الحال غير قابلة لهذه العملية فتتمزق ويحصل بها ضرر كثير على المرأة، ثم إن تلاقي ماء الرجل مع الدم النازل من الرحم يحصل فيه مضرة أيضا، فلذلك حرم الله عز وجل أن تجامَع المرأة في هذا الحيض وقال إنه: " أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ"، ولكن الله تعالى قد وسع الأمر، فللزوج أن يباشر زوجته في حال الحيض حيث شاء إلا في الفرج الذي يخرج منه الحيض، وإلا في الدبر لأن الدبر يحرم وطؤه في كل حال، وما عدا ذلك فليفعل ما شاء، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم "يأمر عائشة وهي حائض فتتزر فيباشرها وهي حائض"، وإنما أمرها بالاتزار لألا يشاهد منها ما تعافه النفس من آثار الحيض، وإذا شاهد الرجل من زوجته ما تعافه النفس فإن ذلك يولّد في قلبه كراهة لها، فالوقاية -كما يقولون- خير من العلاج.
ومن المهم فيما يتعلق بالزواج
أن يعلم الإنسان أن الزواج نعمة سائرة، وليست من النعم النادرة، يعني نعمة سائرة، كل شاب فسوف يتزوج، ليست من الأمور النادرة التي يحتفى بها ذاك الاحتفاء البالغ الخارج عن الاعتدال، نجد بعض الناس....، نجد بعض الناس يسرف إسرافا بالغا في ليلة الحفل، حتى بلغ ببعضهم أن يستأجر الفنادق إلى أربعين ألفا! لماذا؟ أي شيء أوجد هذا؟ كذلك قيل لي: إن بعض الناس يوزع بطاقات دعوى البطاقة الواحدة تكلف خمسين ريالا، سبحان الله! ما الذي أوجب هذا؟ هل الزواج من الأمور النادرة التي لا تحصل إلا بعد شق الأنفس حتى إن الإنسان يؤدي به الفرح إلى أن يخسر هذه الخسارة؟ أبدا، الزواج أمر معهود ونعمة سائرة، ولا ينبغي أن نخرجه عن طوره لا في الولائم ولا في بطاقات الدعوة ولا في كثرة المدعوين أيضا، بعض الناس يوزع بطاقات تصل إلى خمس مائة بطاقة على أناس قد لا يأتون إلا مجاملة، لو قيل للرجل: هل أَحَب إليك أن تأتي أو لا تأتي؟ قال: لا، أحب إليك أن أستريح لكني آتي إليه على سبيل المجاملة، فنقول: لماذا هذا الإفراط وهذا الإسراف؟ انظر من له حق عليك من الأقارب ومن له حق عليك من الأصحاب، انظر من إذا لم تدعهم حملوا عليك في نفوسهم، ومن سوى هذا فلا داعي له.
كذلك أيضا من المهم أن نعرف
أن بعض الناس توسع فيما يباح أو يسن من استعمال الدفوف في ليالي العرس، فاستعمال الدفوف والغناء النزيه في ليلة العرس التي تزف فيه المرأة إلى زوجها من الأمور المطلوبة المسنونة، لكن بشرط ألا تتجاوز الدف إلى غيره من آلات اللهو، وبشرط أن تكون الأغاني أغانيَ نزيهة كأغاني الترحيب وأغاني ذكر نعمة الله عز وجل وما أشبه ذلك من الأشياء المناسبة، أما أن تأتي أغاني المطربين الفنانين الوضيعة فإن ذلك لا يجوز، وكذلك لو أُدّي الغناء على صفة أداء المغنين المطربين فإن ذلك أيضا لا يجوز، لأنه قد يثير كوامن النفوس ويحدث الفتنة، ولكنه يكون أغاني هادئة ومواضيع نزيهة وبدون آلات موسيقية، بل بدون آلات لهوٍ سوى الدف، لأن الأصل في المعازف التحريم، ولا يستثنى منها إلا ما جاءت السنة به فقط، ولا يزاد على ذلك.
ومن المهم أن نعرف أن
ما يفعله بعض الناس من طول السهر في مجامع العرس فإنه أمر لا ينبغي، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديثَ بعدها"، وإذا أطال الإنسان السهر فإنه لا يعطي بدنه حظه من النوم ولا يقوم لصلاة الصبح إلا وهو كسلان تعبان، ثم ينام في أول نهاره عن مصالحه الدينية والدنيوية، والنوم الطويل في أول النهار يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة، وقد جرب الناس أن العمل في أول النهار أفضل من العمل في آخر النهار، وأنه أَسَدّ وأصلح وأنجح، وأنه أبرك فإن البكور مبارك فيه، وهؤلاء الذين يسهرون الليالي لا شك أنهم لا يستطيعون البقاء بدون نوم فلا بد للجسم من نوم، وطول السهر يحول دون ذلك.
ومن المهم أيضا أن نعلم
أن ما يصنعه بعض الناس من تصوير الحفلات في البطاقات أو على أشرطة الفيديو أمر منكر، وذلك أن هذه الصور سوف تُعرض، وعلى من تُعرض؟ قد تعرض على أهل السفالة من الناس، وقد تعرض على أهل الشماتة من الناس فيشمتون بالمنظر أو يشمتون بالمنظور أو تحصل الفتنة إذا كان في هذه الصور نساء جميلات فيحصل الشر والفساد بدون أي فائدة من التصوير، ما فائدة التصوير؟ لا شيء، الذكرى كما يزعمون لا فائدة منها، الكلام على القلب: هل أنت مسرور مع أهلك؟ فترك الذكرى لا يضرك، هل أنت على الحال الأخرى -أي غير مسرور- ؟ فالذكرى لا تنفعك، إذن لا نعرض أنفسها لشيء محرم قليل الفائدة، بل كثير المضرة.
وأقبح من ذلك أن بعض النساء تجعل مكبرات الصوت على شرفات القصر وأركان الصُّوْر وتغنّي عبر هذه السماعات، فيكون في هذا فتنة للسامع وإقلاق لأهل الحي وإتعاب للناس، فتنقلب هذه النعمة نقمة، وهذه الرخصة تنقلب حراما لما فيها من الأذية.
والأمور التي تكون في مناسبات الزواج كثيرة، والوقت انتهى الآن بالنسبة للكلمة، ولم يبق إلا دور الأسئلة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيما قلنا خيرا وبركة وأن يوفقنا جميعا للصواب والسداد، إنه على كل شيء قدير