وعن أبي بكر الكلبي أنه قال: خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة، إذا أنا بشيخ جالس في الشمس، فقلت: يا شيخ أين منزل الحكم؟ فقال لي: وراءك، فرجعت إلى خلفي، فقال: يا سبحان الله! أقول لك وراءك وترجع إلى خلفك. أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً " قال: بين أيديهم، فقلت: أبو من؟ قال: أبو الغصن، فقلت: الإسم؟ قال: جحا. وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذه الصفة. وعن عباد بن صهيب قال: قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن خالد، فمررت بشيخ جالس فقلت: يا شيخ، كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن خالد؟ فقال: إلى ورائك، فقلت: أرجع؟ فقال: أقول لك وراءك وترجع! فقلت: أليس ورائي خلفي؟ قال: لا. قلت: بالله من أنت يا شيخ؟ قال: أنا جحا، قال المصنف: وجمهور ما يروى عن جحا، تغفيل نذكره كما سمعناه.
عن أبي الحسن، قال رجل لجحا: سمعت من داركم صراخاً، قال: سقط قميصي من فوق، قال: وإذا سقط من فوق، قال: يا أحمق لو كنت فيه أليس كنت قد وقعت معه؟ وحكى أبو منصور الثعالبي في كتاب غرر النوادر قال: تأذى أبو الغصن جحا بالريح مرة فقال يخاطبها: ليس يعرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك.
ومات جار له، فأرسل إلى الحفار ليحفر له، فجرى بينهما لجاج في أجرة الحفر، فمضى جحا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها، فسئل عنها فقال: إن الحفار لا يحفر بأقل من خمسة دراهم، وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير.
وحكي: أن جحا تبخر يوماً فاحترقت ثيابه فغضب وقال: والله لا تبخرت إلا عرياناً.
وهبت يوماً ريحٌ شديدةٌ فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون، فصاح جحا: يا قوم، لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن.
وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره، فقال أبوه: الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به، فقال له جحا: إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن؟، فقال أبوه: فعلمنا أنت ما تصنع به. فقال: يحفر له آبار ونكبسه فيها.
واشترى يوماً دقيقاً وحمله على حمال فهرب بالدقيق، فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه، فقيل له: ما لك فعلت كذا؟ فقال: أخاف أن يطلب مني كراه.
ووجهه أبوه ليشتري رأساً مشوياً، فاشتراه وجلس في الطريق، فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه، وحمل باقيه إلى أبيه، فقال: ويحك ما هذا؟ فقال: هو الرأس الذي طلبته. قال: فأين عيناه؟ قال: كان أعمى. قال: فأين أذناه؟ قال: كان أصم. قال: فأين لسانه؟ قال: كان أخرس. قال: فأين دماغه؟ قال: فكان أقرع، قال: ويحك، رده وخذ بدله. قال: باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب.
وحكي: أن جحا دفن دراهم في صحراء وجعل علامتها سحابة تظلها.
ومات أبوه فقيل له: إذهب واشتر الكفن، فقال: أخاف أن أشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه.
وحكي: أن المهدي أحضره ليمزح معه، فدعا بالنطع والسيف، فلما أقعد في النطع، قال للسياف: أنظر لا تصب محاجمي فإني قد احتجمت.
ورأوه يوماً في السوق يعدوا فقالوا: ما شأنك؟ قال: هلا مرت بكم جارية رجل مخضوب اللحية؟ واجتاز يوماً بباب الجامع فقال: ما هذا؟ فقيل مسجد الجامع، فقال: رحم الله جامعاً ما أحسن ما بنى مسجده.
ومر بقوم وفي كمه خوخ، فقال: من أخبرني بما ي كمي فله أكبر خوخةٍ، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم هذا إلا من أمه زانية.
وسمع قائلاً يقول ما أحسن القمر، فقال: أي والله خاصة في الليل.
وقال له رجل: أتحسن الحساب بإصبعك؟ قال: نعم، قال: خذ جريبين حنطة، فعقد الخنصر والبنصر، فقال له: خذ جريبين شعيراً فعقد السبابة والإبهام وأقام الوسطى فقال الرجل لم أقمت الوسطى، قال: لئلا يختلط الحنطة بالشعير.
ومر يوماً بصبيان يلعبون ببازي ميت، فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت، فقالت أمه: ويحك ما تصنع به وهو ميت؟ فقال لها: أسكتي فلو كان حياً ما طمعت في شرائه بمائة درهم.
وخرج أبوه مرة إلى مكة فقال له عند وداعه:بالله لا تطل غيبتك واجتهد أن تكون عندنا في العيد لأجل الأضحية.