الشيخ د. عاصم بن عبد الله القريوتي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين ومن سار على نهجه الأمين وبعد:
فإن التقنية الحديثة التي غزت العالم بأسره إن استخدمت استخداماً هادفاً وموجهاً للخير ولكل ما ينفع من أمور الدين والدنيا كان لها الأثر الكبير على التقدم العلمي بأنواعه المختلفة، من تعليم ، وتربية وتوجيه وهداية ودعوة، وصحة، وترفيه مباح، ومما لا شك فيه أن هذا هو الذي يجب أن يتطلع إليه المسلم بأن يستفيد من هذه التقنية ويوجهها ويسير معها وفق ما يرضي الله عز وجل، حتى تكون مفتاحاً من مفاتيح الخير وينبوعاً من ينابيع الهداية.
وفي الوقت نفسه إن استخدمت هذه التقنية استخداماً غير سديد من خلال البرامج والمواقع والمنتديات التي لا يوثق بها وبمن وراءها، بل ربما ل يعرف القائمون عليها، كان لها الأثر الكبير في الفساد والإفساد للفرد والأمة، في جوانب عديدة دينية من حيث المعتقد والانحراف والفسق والفجور والرذيلة، ومن نواحي صحية واجتماعية ونفسية وتربوية، حتى تصبح هموماً كبيرة على الأمة بأسره.
وإذ كان الواجب في الفتنة السؤال عن المشايخ الذين يُتلقَّى عنهم، كما قال الإمام ابن سيرين رحمه الله : «لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لن رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»، فمِن باب أولى السؤال عن المواقع والمنتديات التي تنتسب للإسلام قبل أن يدخله الإنسان، حتى لا تعبث بدينه وتعصف به في مكان سحيق من حيث يشعر أو لا يشعر.
وإذا أخذنا مثالين فقط على هذه الهموم الجسيمة ندرك أبعاد وخطر هذا الانفتاح على التقنية، إن لم تضبط الأمور وتعالج علاجاً ناجعاً.
الأول: التكفير بغير حق وما يتبعه من آثار: وذلك أننا وجدنا عددا غير قليل ممن دخلوا هذا المنزلق الخطير كان بسبب دخولهم لمواقع ومنتديات تبث سموم هذا الفكر المنحرف.
وكنت استمعت خلال برنامج في إذاعة القرآن الكريم حول (هموم نت) إلى حديث بعض الذين فتنوا بهذه المواقع، والعجب لا ينقضي عندما نعلم أن بعض هؤلاء لم يكن له تعلق مسبق بأفكار القوم،وإنما كان دخولهم للمواقع للاستطلاع فحسب، وهذا من قلة البضاعة في العلم الشرعي، وعدم استشارة علماء الأمة مما أوقعهم في المهالك نسأل الله السلامة.
الثاني : الفساد الخلقي والتشتت الأسري: وذلك أنه من خلال دخول الناس إلى مواقع غير أخلاقية، طغى ذلك عليهم وحصلت بسبب هذا الانحراف أشياء لا تحمد من علاقات بين الجنسين بالمحادثة والمراسلة أو تبادل للصور، أدت بعد ذلك إلى تدهور في الخلق والقيم، بل غدا التواصل بالإنترنت كل همه، وطغى على كل الواجبات والله المستعان.
ومما زاد الطين بلة أيضاً أنَّ بعض هؤلاء ممن أكرمهم الله بالزواج فهم من المحصنين، ولكن بذلك الترابط الفاسد أفسدوا حياتهم الزوجية، فضعفت صلاتهم بأهاليهم ،وقلت الروابط، وفقد كثير من هؤلاء الود والتراحم بعيدين عن قوله تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاَ لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.
ختاماَ: إنها لأمانة في أعناقنا تجاه أنفسنا وتجاه أبنائنا ومن نعول بأن نسدد الركب، ونجتهد في الإصلاح والتوجيه، وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل
و الحمد لله رب العالمين.